فصل: تفسير الآيات (30- 31):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآيات (30- 31):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ} [30- 31].
{وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم} أي: من قتله: {مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ} أي: الطوائف الهالكة بالتكذيب: {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ} أي: جزائهم من الغرق: {وَعَادٍ} أي: من الريح العقيم: {وَثَمُودَ} أي: الصيحة: {وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ} أي: من الأمم المكذبة، مما يدل على أن الهلاك سنة مستمرة لأهل التكذيب؛ إذ لم يكن لهم ذنب آخر يوجبه: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ} أي: فلا يعاقبهم بغير ذنب.

.تفسير الآية رقم (32):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} [32].
{وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} يعني يوم القيامة، أي: عذابه. سمي بذلك لما جاء في حديث «أن الأرض إذا زلزلت، وانشقت من قطر إلى قطر، وماجت وارتجت، فنظر الناس إلى ذلك، ذهبوا هاربين ينادي بعضهم بعضاً» أي: من هول فزع النفخة. وقال قتادة: ينادي كل قوم بأعمالهم، ينادي أهل الجنة أهلَ الجنة وأهل النار أهلَ النار. وقيل لمناداة أهل الجنة أهل النار: {أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: 44]، ومناداة أهل النار أهل الجنة: {أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف: 50]، واختار البغوي وغيره أنه سُمّي لمجموع ذلك، أي: لوقوع الكل فيه.

.تفسير الآية رقم (33):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [33].
{يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} أي: ذاهبين فراراً من الفزع الأكبر: {كَلَّا لا وَزَرَ إِلَى رَبِّك َيَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} [القيامة: 11- 12] {مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} أي: من عذابه، من مانع، لتقرر الحجة عليكم: {وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ} أي: بزيغه عن صراط ربه: {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} أي: من حجة، ولا مرشد إلى النجاة.

.تفسير الآية رقم (34):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ} [34].
{وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ} أي: من قبل مجيء موسى بالحجج البينة والبراهين النيرة، على وجوب عبادته تعالى وحده. كقوله: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: 39]، {فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ} أي: مع ظهور استقامته الكافية في الدلالة على صحة ما جاءكم به، فلم يزل يقررها: {حَتَّى إِذَا هَلَكَ} أي: مات: {قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً} أي: يقرر حججه. فقطعتم من عند أنفسكم، بعدم إرسال الله الرسول، مع الشك في إرسال من أعطاه البيانات، من فرط ضلالكم: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} أي: في التشكيك عند ظهور البراهين القطيعة: {مُّرْتَابٌ} أي: شاك مع ظهور لوائح اليقين.

.تفسير الآية رقم (35):

القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [35].
{الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ} أي: برهان: {أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} أي: بطر للحق، لا يقبل الحجة، جبار في المجادلة، ألدّ فيصدر عنه أمثال ما ذكر، من الإسراف، والارتياب، والمجادلة في الباطل لطمس بصيرته، فلا يكاد يظهر له الحق.

.تفسير الآيات (36- 37):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} [36- 37].
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً} أي: قصراً عالياً ظاهراً لكل أحد: {لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} أي: طرقها: {فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} أي: لأسأله عن إرساله، أو لأقف على كنهه: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً} قال ابن جرير: أي: لأظن موسى كاذباً فيما يقول ويدعي، من أن له في السماء ربّاً أرسله إلينا: {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ} أي: سبيل الرشاد لما طبع على قلبه، من كبره، وتجّبره، وإسرافه، وإرتيابه: {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} أي: خسار وهلاك، لذهاب نفقته على الصرح سدى، وعدم نيله، مما أراده من الاطلاع، شيئاً.

.تفسير الآية رقم (38):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [38].
{وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} أي: طريق الصواب الذي ترشدون إذا أخذتم فيه، واستكملتموه. ثم أشار إلى تفصيل ما أجمله بقوله:

.تفسير الآية رقم (39):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [39].
{يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ} أي: تمتع يسير، لسرعة زوالها: {وَإِنَّ الْآخِرَةَ} التي يوصل إليها سبيلي: {هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} أي: الاستقرار، والخلود.

.تفسير الآية رقم (40):

القول في تأويل قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [40].
{مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي: بغير تقدير، وموازنة بالعمل. بل أضعافاً مضاعفة. قال الزمخشري: قوله: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} واقع في مقابلة: {إِلَّا مِثْلَهَا} يعني أن جزاء السيئة له حساب وتقدير، لئلا يزيد على الاستحقاق، فأما جزاء العمل الصالح فبغيره تقدير وحساب، بل ما شئت من الزيادة والكثرة.

.تفسير الآيات (41- 42):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ} [41- 42].
{وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} أي: بوجوده علم؛ إذ لا وجود له: {وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ} أي: الغالب الذي يقهر من عصاه: {الْغَفَّارِ} أي: الذي يستر ظلمات نفوس من أطاعه، بأنواره.

.تفسير الآيات (43- 44):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [43- 44].
{لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ} أي: الذي تدعوني إلى عبادته، ليس له دعوة في الدنيا لدفع الشدائد، والأمراض ونحوها، ولا في الآخرة لدفع أهوالها، على ما قاله المهايمي. أو لا دعوة له في الدارين لعدمه بنفسه، واستحالة وجوده فيهما، على ما قاله القاشاني. وقال الشهاب: عدم الدعوة عبارة عن جماديتها، وأنها غير مستحقة لذلك.
وسياق: {لَا جَرَمَ} عند البصريين أن يكدن لا ردّاً لما دعاه إليه قومه و{جَرَمَ} بمعنى كسب، أي: وكسب دعاؤهم إليه بطلان دعوته، أي: ما حصل من ذلك إلا ظهور بطلان دعوته، ويجوز أن يكون: {لَا جَرَمَ} نظير لابد من الجرم وهو القطع. فكما أنك تقول: لابد لك أن تفعل. والبد من التبديد الذي هو التفريق، ومعناه لا مفارقة لك من فعل كذا، فكذلك: {لَا جَرَمَ} معناه لا انقطاع لبطلان دعوة الأصنام. بل هي باطلة أبداً. هذا ما يستفاد من الكشاف.
وفي الصحاح: قال الفراء: {لَا جَرَمَ} كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا محالة، ولابد فجرت على ذلك، وكثرت حتى تحولت إلى معنى القسم، وصارت بمنزلة حقا، فلذلك يجاب عنها باللام. ألا تراهم يقولون: لا جرم لآتيناك. وقد حقق الكلام فيها ابن هشام في المغني في بحث، والجلال في همع الهوامع أثناء بحث إن والقسم، فنظرهما {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ} أي: في الضلالة، والطغيان، وسفك الدماء: {هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ} أي: في النصح عند معاينة الأهوال، وما يحيق بكم: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} أي: وأسلم أمري إليه، وأجعله له، وأتوكل عليه، فإنه الكافي من توكل عليه: {إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} أي: فيعلم المطيع منهم، والعاصي، ومن يستحق المثوبة والعقوبة.

.تفسير الآية رقم (45):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} [45].
{فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} أي: فرفع الله عن هذا المؤمن من آل فرعون، بإيمانه وتصديق رسوله موسى، مكروه ما كان فرعون ينال به أهل الخلاف عليه، من العذاب والبلاء، فنجاه منه: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ} أي: بفرعون، وقومه: {سُوءُ الْعَذَابِ} يعني الغرق، أو النار. وعلى الأول، فقوله تعالى:

.تفسير الآيات (46- 48):

القول في تأويل قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آل فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [46- 48].
{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} جملة مستأنفة مبنية لكيفية نزول العذاب بهم، على أن: {النَّارُ} مبتدأ، وجملة: {يُعْرَضُونَ} خبره. وعلى الثاني، فالنار خبر لمحذوف، وهو خبر العذاب السيء، أو هي بدل من: {سُوءُ الْعَذَابِ}. والمراد عرض أرواحهم عليها دائماً. واكتفى بالطرفين المحيطين- الغدو والعشي- عن الجميع، وبه يستدل على عذاب القبر والبرزخ. وقاناه الله تعالى، بمنه.
قال السيوطي: وفي العجائب للكرماني، في الآية أدل دليل على عذاب القبر؛ لأن المعطوف غير المعطوف عليه، يعني قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} أي: هذا العرض ما دامت الدنيا، فإذا قامت الساعة يقال لهم: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} وهو عذاب جهنم؛ لأنه جزاء شدة كفرهم: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ} أي: يتخاصمون فيها، الأتباع والمتبوعون: {فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً} أي: أتباعاً كالمكرهين: {فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} أي: نحن وأنتم. فكيف نغني عنكم؟ ولو قدرنا لأغنينا عن أنفسنا: {إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} أي: بأن أدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ولا معقب لحكمه. أو بأن قدّر عذاباً لكل منا لا يدفع عنه، ولا يتحمله عنه غيره، قال الشهاب: وهذا أنسب بما قبله.

.تفسير الآية رقم (49):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ} [49].
{وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} أي: لما أيسوا من التخفيف عند المحاجّة: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ} أي: يدفع عنا يوماً من أيام العذاب، أو ألَمَ يوم، وشدته.

.تفسير الآية رقم (50):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [50].
{قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ} أي: المتكاثرة على صدقهم، المنذرة بهذه الشدة: {قَالُوا بَلَى} أي: جاءوا بها، وأخبروا مع البينات: {قَالُوا فَادْعُوا} أي: إن كان ينفعكم، وهيهات: {وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} أي: في ضياع لا يجاب.

.تفسير الآية رقم (51):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [51].
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} أي: لننصرهم في الدارين، أما في الدنيا، فبإهلاك عدوهم واستئصاله عاجلاً، أو بإظفارهم بعدوّهم وإظهارهم عليه، وجعل الدولة لهم، والعافية لأتباعهم، وأما في الآخرة، فبالنعيم الأبدي، والحبور السرمدي. و{الْأَشْهَادُ} جمع شاهد، وهم من يشهد على تبليغ الرسل وتكذيبهم ظلماً، أو جمع شهيد، كأشراف وشريف.

.تفسير الآية رقم (52):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [52].
{يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} قال ابن جرير: ذلك يوم لا ينفع أهل الشرك اعتذارهم، لأنهم لا يعتذرون إلا بباطل؛ وذلك أن الله قد أعذر إليهم في الدنيا، وتابع عليهم الحجج فيها، فلا حجة لهم في الآخرة إلا الاعتصام بالكذب، بأن يقولوا: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]، ولذا كانت لهم اللعنة، وهي البعد من رحمة الله، وشر ما في الدار الآخرة من العذاب الأليم.

.تفسير الآية رقم (53):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ} [53].
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى} أي: ما يهتدي به، فكذب به فرعون، وقومه كما كذبت قريش: {وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ} أي: وتركنا عليهم بعده من ذلك التوراة.